كان شعار أبي بكر مع الإسلام هو الوسام الذي عُلق مع اسمه طيلة حياته، وعلى امتداد التاريخ.. هو (الصدّيق).
- أما رأيت إلى صاحبك ما يقول يا أبا بكر؟!
- ماذا يقول؟!
- يزعم أن إلهي أرسله نبياً للناس كافة!!
- إن كان قاله فقد صدق.
• وحين قالوا له :
- جاء صاحبك هذه المرة، بما قصم ظهره وظهر أصحابه.. وزعم ما لم يجسر أحد على أن يزعمه!!
- وما ذاك؟!
- يزعم أنه أُسري به إلى بيت المقدس، ثم أصبح بين ظهرانينا..
- إن كان قاله، فقد صدق..
* * *
• كيف عرف أبو بكر ابن أبي قحافة الحق؟!..الجزيرة العربية مفعمة شركاً، ومكة سيدتها تسلّم وجهها ليل نهار للأصنام!! وتفسح جنباتها لصنوف أخرى من العبادة.. وسط هذا الشرك، ضاعت كلمة التوحيد التي جاء بها إبراهيم عليه السلام، وحمل رسالة نشرها بعده في الجزيرة ولده إسماعيل عليه السلام.
وسط هذا الظلام يسير أبو بكر ملتمساً طريقه بحثا عن الحق، ويطرق باب زيد بن عمرو بن نفيل، أحد الملوحين براية إبراهيم عليه السلام.
- سيطلع الفجر يا أبا بكر.. ولكني وحق هذه الكعبة لا أعرف متى؟!
- ومن سيأتي يا ابن نفيل؟!
- لست أدري..
- كيف هذا وقد رأيتك تشغل بين قومك مكانة مرموقة، وتعزف عن وثنية قومنا وضلالهم.. ولقد رمقتك تمر بالناس متحلقين حول أصنامهم فتزورّ عنهم..
- كنت أسائل نفسي يا أبا بكر: أيمكن أن يكون هذا صواباًً؟!
أناس ينظرون ويسمعون ويعقلون ثم يخرّون سجّدا أمام حجارة مرصوصة؟
- أو تظن أن البشير القادم يا زيد سيكون قس بن ساعدة؟
- ولماذا قس بن ساعدة دون غيره؟!
- لست أدري، لقد رأيت قس ذات يوم – عندما كنت شاباً – رأيته ممتطيا جملاً في سوق عكاظ وهو يتحدث حديثا مازلت أذكره.. كان صوته يزلزلني وهو يقول :
" أيها الناس اسمعوا وعوا وإذا وعيتم فانتفعوا، إن من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت.
إن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا مهاد موضوع وسقف مرفوع ونجوم تمور وبحار لن تفور..."
ويقسم قس إن لله لديناً هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه..
- أيكفي هذا يا أبا بكر ما دفعك إلى القول بأن قس هو النبي القادم؟!
- أليس بهذا يتهامس اليهود؟.. أليس بهذا يتهامس النصارى؟! وأنت نفسك يا زيد قد رأيتك في الكعبة تصيح: يا معشر قريش!! تطوفون حول كعبة ربكم وقد علوتموها بالأصنام.. اللهم إني اتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل من بعده، وإني لأنتظر نبياً من ولد إسماعيل.
- يا أبا بكر كأنك لا تعرف أن قس بن ساعدة قد هلك!!
- لم يبق غير ورقة بن نوفل!!
- يا أبا بكر ورقة تائه بين كتب الإنجيل والتوراة عساها تدله على دين إبراهيم.
* * *
• و لا يجد أبو بكر عند ورقة بن نوفل أكثر مما وجد عند زيد بن عمرو بن نفيل.. وظل يحدث نفسه :
- كيف آملت أن أجد عندهم ما أريد؟! كلٌ منهما عاكف على نفسه، لا يحمل دعوة منظمة ولا ديناً جديداً، يهدد به الشرك وأساطينه.. كل منهما في مرتفع العمر.. وقد أوشكت حياته على الغروب.. وقريش لا تأبه بهما، ولا تخشى بأسهما.. ورقة يجالس الرهبان النصارى، وأحبار اليهود.. وزيد أغلق عليه داره وحال بينه وبين الناس.. ما هكذا يفعل حامل النور الداعي إلى الحق..
* * *
• شيء في طبيعته السمحة قربه إلى فتى بني هاشم.. محمد بن عبد الله، امتلأ صدره إعجاباً به، يوم دب الخلاف بين بطون قريش.. أيهم يضع الحجر الأسود مكانه بعد إعادة بناء الكعبة!.. كل شيعة تقسم ليكونن لها دون سواها شرف رفع الحجر إلى مكانه!! عاد يومها أبو بكر إلى زوجه وقد امتلأت نفسه حبورا، أشرق به وجهه المعروق الأبيض :
- لو تعلمين يا أم رومان ما حدث اليوم في صحن الكعبة؟! احتدم الخلاف وبلغ ذروته.. وأوشك الناس أن يتنادوا إلى القتال
- قد رأيت الوليد بن المغيرة هذا الصباح يتهيأ ويهيئ أولاده للقتال!!
- وكذلك فعل بنو عبد شمس كلهم..
- انصرفت، وقد انصرفت وقد حسبت أنني لن أصل إلى داري قبل أن أسمع قعقعة السلاح!!
- بدأ الأمر بالشر أسوأ الشر..ثم انتهى بالخير..أجمل الخير!!
- عسى أن يكونوا قد اصطلحوا على أن يقوم بالأمر أكبر قريش سناً.
- لم يصطلحوا.. بل إن الذي هو أكبر سنا أبو أمية بن المغيرة، جاءهم بحكم فقبلوه منه..
- وأي حكم ذاك؟!
- أشار عليهم أن يحكّموا بينهم أول قادم يرتضون حكمه..تراقبوا ملياً، واحتواهم صمت رهيب... سُمّرت أبصارهم شطر القادم الجديد..أول مقبل عليهم..الرجل الذي سيحسم الخلاف ويعصم الدماء ويعيد الصفاء..
- ومن جاء؟!
- فتى بني هاشم..
- محمد؟!
- أجل.. الأمين.. ما إن رأوه حتى صاحوا جميعا في غبطة.. هذا الأمين.. هذا محمد.. نعم الحكم هو..
- وبم حكم محمد؟!
- طلب ثوباً، فجاؤوا به، فوضع الحجر في وسطه، ثم قال:
- لتأخذ كل قبيلة بطرف من الثوب، ثم ارفعوه جميعاً..
- وفعلوا؟!
- استجابوا له حتى إذا اقترب الحجر من موضعه، أخذه محمد بيده فأرساه مكانه!!
- ما أعجب هذا!!..استجابوا لمحمد وتركوه يضع الحجر بيده!!
أفلم ينافسه في ذلك أحد من أشراف قريش؟!
- بل امتدحوه، ومال عليه الوليد بن المغيرة فقبل رأسه..
- إنه لجدير بذلك..
- يا أم رومان.. لقد اخترت محمداً هذا صديقاً من دون شباب قريش كلهم.. وقد أعلمته بذلك قبل أن يغادر صحن الكعبة.. فتبسّم وأخذ بيدي فأحسست أنه لن يقودني إلا إلى الخير الذي أتنسّمه..
- أنت وإحساساتك يا أبا رومان.
- والله يا أم رومان.. إنني سأجد عند محمد ما افتقدته عند سواه من المتطهرين!!
* * *
• ويلزم أبو بكر محمداً.. وتعرف قريش كلها أن الله قد جمع قلبي هذين الرجلين في صداقة متينة، وأن أبا بكر قد صار خدناً لمحمد وصفياً له..
• وعاد أبو بكر من إحدى رحلاته إلى مكة.. فالتقاه عمرو بن هشام (أبو جهل ) حيث ابتدره بالقول:
- أحدثوك عن صاحبك يا أبا بكر؟!
- تعنى محمداً الأمين؟!
- نعم.. أعني يتيم بني هاشم!!
- فماذا عنه..؟!
- يقول قولاً عظيماً..
- وماذا قال؟!
- يقول إن في السماء إلهاً أرسله لنعبده، ونذر ما كان يعبد أباؤنا!!
- أقال هذا؟!.. أو قال كيف أوحي إليه بذلك؟!
- قال إن المَلكَ جبريل أتاه في غار حراء، وقال له إنه نبي هذه الأمة.. أبعد هذا تدعوه بالأمين؟! من يصدق بهذا.؟!
- إن كان قال ذلك فقد صدق.
* * *
• نعم يا أبا بكر.. أنا ذلك الذي أخبروك عنه.. إن ربي جعلني بشيراً ونذيراً.. وجعلني دعوة إبراهيم، وأرسلني إلى الناس جميعا..
- وإني أصدقك يا محمد..
• واحتل الوسام صدر أبي بكر.. وظل عليه لا يفارقه إلى أن لقي ربه..
مـــ ن ــــقــــــــــوووووووووول
8/25/2009, 4:54 pm
